بقلم: علي عبدالعال
اعتقلت أجهزة الأمن المصرية الداعية الإسلامي، الشيخ عبدالمنعم الشحات، منذ ليل الأحد الماضي، 5/12/2010، ولم يطلق سراحه حتى الآن. وقالت مصادر سلفية إن عددا من عناصر مباحث أمن الدولة أقتادوا الشيخ ليلا من بيته في منطقة "الساعة" بالإسكندرية إلى جهة غير معلومة، وصادروا عددا من كتبه.
وغالبا لا يستطيع المحامون فعل أي شيء أمام مثل هذه الحالات من الاعتقال السياسي في مصر، لأنها تجري بعيدًا عن القانون ولا تعترف بها الأجهزة الأمنية كما أنها لا تقر باحتجاز الشخص من الأساس.
والشيخ عبدالمنعم الشحات أحد الوجوه المعروفة للدعوة السلفية في الإسكندرية، برز كمتابع دقيق لمجريات الأحداث التي تخص الشأن المصري والإسلامي بشكل عام، والتي غالبا ما يتناولها بالتعليق في مقالاته متضمنة الموقف السلفي تجاهها. ويقول السلفيون إن الشيخ الشحات يتمتع بعقلية فريدة في تحليل الأحداث وتوضيح الموقف الشرعي منها، وعرف عن كتاباته العمق في التناول والجرأة في الرأي.
وأرجعت مصادر السلفيين سبب الاعتقال إلى مقالات الشيخ التي ينشرها موقع "صوت السلف" وتتناقلها المواقع والمنتديات الإسلامية، فضلا عن نشاطه الدعوي، وغزارة انتاجه المقروء والمسموع، والتفاف الشباب الإسلامي حوله. وتوقعت المصادر أن تمارس على الشحات ضغوطا أمنية بهدف منعه من الكتابة والخطابة، خاصة وأن مثل هذه الممارسات كان قد تعرض لها خلال مرات اعتقال سابقة. إذ كان قد تم إيقاف دروسه ومحاضراته منذ عدة أشهر أثناء أزمة (كاميليا شحاتة) زوجة كاهن دير مواس التي تردد أنها أسلمت. بعدما تناولها الشيخ في عدد من مقالاته.
وبالرغم من أن المدرسة السلفية في الإسكندرية اعتادت على أن تكون بعيدة عن وسائل الإعلام، إلا أن خبر اعتقال الشحات انتشر سريعا عبر شبكة الإنترنت، وتداولته المنتديات الإسلامية، بما فيها منتديات الإخوان المسلمين، كما لاقى اهتاما كبيرا من قبل الشباب السلفي، الذين أداروا نقاشاتهم حوله، فأرجع أحدهم سبب الاعتقال إلى مقاله الأخير الذي نشر أوائل شهر ديسمبر الجاري بعنوان "عنف الإسلاميين الذي كان.. وعنف غيرهم المستمر"، والذي اتهم فيه الأقباط والحزب الحاكم بممارسة العنف الذي يتهمون الإسلاميين به.
ولكن استبعد آخر أن يكون اعتقال الشيخ بسبب مقال كتبه أو خطبة مسموعة ألقاها، معتبرا الأمن ألمصري "أكبر من أن يشغله مفردات كهذه"، ولكن يكمن السبب برأيه في ريبة "النظام المصري" وقلقه مما تنتهجه الدعوة السلفية "من حراك دعوي غير ظاهر ومؤثر". يضيف أن ذلك على الرغم من أن "مشايخ الإسكندرية يتبنون فكرا حركيا علميا تربويا ولا يوجد في أجندتهم الدعوية أي عمل مسلح () ولا يرون المشاركة السياسية ولا يستخدمون الوسائل الدعوية التي يغلب عليها الطابع الإعلامي العام ومخاطبة النظام عن طريق الحشد الجماهيري". ولذلك فإن خير وسيلة يتبعها الأمن ـ على حد قوله ـ لوقف حراك السلفيين هو "إحداث عرقلة في التواصل بين الصفوف الشابة العاملة وبين المشايخ..أي أنهم يحاولون كسر واختراق النظام الإداري للدعو".
ويتردد أن من بين أسباب الاعتقال دعوة التقارب بين الإخوان والسلفيين التي ضمنها الشحات مقاله "نصائح بعد الانتخابات" نشره بعد خسارة الإخوان للانتخابات البرلمانية.وكان قد لاقى استحسانا في صفوف شباب جماعة الإخوان المسلمين على الرغم من موقف السلفيين الرافض للمشاركة الانتخابية من الأساس والذي عبر عنه الشحات في مقابلة له، رفض خلالها تصويت السلفيين للإخوان أو حتى دعمهم بعدما انتقد "التنازلات" التي يقدمها الإسلاميون في سبيل المشاركة، خاصة فيما يتعلق بولاية غير المسلم وترشيح المرأة.
والشحات في بداية العقد الخامس من عمره، ويعمل مهندسا لنظم المعلومات في إحدى الشركات الكبرى.
وفي المقال المشار إليه على أنه سبب اعتقال الشحات، وهو بعنوان "عنف الإسلاميين الذي كان.. وعنف غيرهم المستمر"، قدم الداعية السلفي مقارنة بين ما نسب للإسلاميين من أعمال عنف في الماضي، وعنف القوى العلمانية الحالي، بما فيها الحزب الوطني والأقباط على خلفية أحداث كنيسة العمرانية والعنف الذي شهدته الانتخابات التشريعية، مستنكرا إصرار الإعلام على توجيه "تهمة الإرهاب إلى الإسلاميين"، مع أن العنف "هو المبتدأ والخبر في الخطاب العالماني".
ويعرض الشحات بعنف الأقباط والوطني، قائلا:"الحاضر أشد عنفًا، بدءًا بالنصارى الذين يصورهم الإعلام دائمًا أنهم ضحايا للعنف الإسلامي، مرورًا بالأحزاب الديمقراطية والليبرالية التي تتشدق بمبادئ حرية الرأي، وانتهاءً بآحاد الناس الذين بلغ من جرأتهم وإرهابهم أن يذبح أحدهم ابن منافسه؛ حتى يشغله عن متابعة سير عملية الانتخابات". ويضيف: "إن أحداث "مبنى العمرانية" المراد تحويله إلى كنيسة، وأحداث العنف في "انتخابات مجلس الشعب2010"، لتجعل المـتأمل يعجب من أين أتت الجرأة لأطراف هذا العنف أن يتهموا الإسلاميين بالعنف بناءً على مراحل ولَّت من تاريخ الجماعات الإسلامية".
وفي مقارنته بين دوافع عنف الإسلاميين وموقف الدولة وقوى المجتمع منه، كتب الشحات قائلا: إن عنف الجماعات الإسلامية "لا يمكن مقارنته بأحداث العمرانية، ولا بالعنف الانتخابي! وذلك لعدة أمور: أولها: أن العنف الإسلامي ما هو إلا طريقة غير صحيحة للمطالبة بمطالب عادلة ومنطقية، ومنسجمة مع دين الغالبية العظمى من الشعب المصري، وهي "تطبيق الشريعة" في واقع المسلمين ككل، وليس في النظام القضائي فقط. ومِن ثمَّ فإن المجتمع كان بإمكانه أن يتفادى ذلك العنف ـ على حد قول الشحات ـ بمعالجة الخطأ بالطريقة الصحية، ومِن ثمَّ تزول أسباب العنف أصلاً ولكن أحدًا من "الجوقة الإعلامية" لم يقل ذلك مع أن كثيرًا منهم يرى أن إصدار "قانون بناء دور العبادة الموحد" هو السبيل إلى عدم تكرار أزمة العمرانية، "وكأنهم يطالبون الدولة أن تركع أمام الإرهاب الكنسي"، مع أنهم لم يقترحوا ذلك أثناء مواجهة النظام مع الجماعة الإسلامية، وهي المواجهة التي استمرت لسنوات.