غزوة مؤتة
دروس وعبر
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية بقيادة زيد بن حارثة فى جمادى الاولى سنة ثمان من الهجرة فى ثلاثة الاف من المسلمين ، وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث بهذه السرية يوم الجمعة ، وقد تخلف عبد الله بن رواحة عن السرية ليصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يلحق بهم ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال: ما منعك ان تغدو مع أصحابك؟ فقال: أردت ان اصلى معك الجمعة ثم الحقهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو انفقت ما فى الارض جميعا ما ادركت غدوتهم .
ومضى الناس حتى نزلوا أرض الشام وبلغهم ان هرقل الروم قد نزل مكان يسمى " مآب "من أرض البلقاء فى مائة الف من الروم ومثلهم من العرب المستعربة. ثم مضى الناس حتى اذا كانو بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل و العرب بقرية يقال لها " مشارف " ثم دنا العدو وانحاز المسلمون الى قريه يقال لها " مؤتة " ، وتعبى المسلمون فجعلوا على الميمنة رجلا من بنى غدرة يقال له " قطبة بن قتادة " وعلى الميسرة رجلا من الانصار يقال له " عباية بن مالك " ، واقتتل الناس فقاتل زيد براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أستشهد ثم أخذها جعفر بن أبى طالب وعقر فرسه فكان أول من عقر فى الاسلام حتى لا ينتفع العدو بفرس أو غنم ، وقيل ان" جعفر" قد أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه بعضديه حتى قتل شهيداً و هو ابن ثلاثة و ثلاثين سنة فأثابه الله بذلك جناحين من ياقوت يطير بهما فى الجنة حيث يشاء ، ولما قتل "جعفر" أخذ الراية "عبد الله بن رواحة" ثم تقدم بها وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ، ثم تقدم فقاتل حتى قتل شهيداً ، ثم أخذ الراية "ثابت بن أقرم " فقال يا مغشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم ، قالوا انت ، قال : ما أنا بفاعل ، فاصطلح الناس على خالد بن الولبد
وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بخبر هؤلاء المجاهدين أثناء المعركه ، حيث قال صلى الله عليه وسلم : فيما بلغنى أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيداً ، فأخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيداً ، ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الانصار وظنوا أنه قد كان فى عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون ، ثم قال : اخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا ، ثم قال : لقد رفعوا الى الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت فى سرير عبد الله بن رواحة إزوراراً عن سريرى صاحبيه ، فقلت عما هذا ؟ فقيل لى مضيا وتردد عبد الله بن رواحة بعض التردد ثم مضى .
قال الواقدى : حدثنى عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه قال : لما أخذ خالد بن الوليد الراية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الآن حمى الوطيس.
وقال الواقدى أيضاً : حدثنى العطاف بن خالد قال : لما قتل عبد الله بن رواحة بات خالد ، فلما أصبح غدا و قد جعل مقدمته ساقته "أى جعل مقدمة الجيش فى المؤخرة و العكس " وميمنته ميسرته ، قال : فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم و هيئتهم وقالوا قد جاءهم مدد ، فرعبوا وانكشفوا منهزمين .
وهناك قول آخر فى هذه المسألة وهو أن خالد لما أخذ الراية أخذ يبدل فى أوضاع الجيش حتى يربك العدو و استطاع أن يخلص المسلمين من أيدى الروم و العرب الذين بلغوا مائتى ألف بعتادهم القوى ومددهم الذى لا ينقطع ، و المسلمون حينئذ لا يتعدون الثلاثة الاف مقاتل ، ولنا أن نتبين هنا الفرق الشاسع بين القوتين ، وهذا فى حد ذاته نصر وفتح من الله ، وعند عودة جيش المسلمين الى المدينة حث عليهم الناس التراب قائلين لهم : يا فرار فررتم فى سبيل الله ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار ان شاء الله عز وجل ...... والله أعلم
الدروس المستفادة
1- إنفاق ما فى الأرض جميعاً لا يساوى الزحف فى سبيل الله.
2- إمكانية إتلاف السلاح والمتاع حتى لايقع فى يد العدو ويستفيد منه .
3- منازل المؤمنين فى الجنة على قدر الاخلاص فى العمل وعدم التوانى فى الاندفاع اليه.
4- ما أحوجنا اليوم الى أشخاص مثل " ثابت بن أقرم " يعرف قدر نفسه وحجمه عندما رفض أن يأخذ الراية لأنه يعلم أنه لن يستطيع أن يعطيها حقها.
5- ليس معنى طلب الشهادة أن نلقى بأنفسنا الى التهلكة ، فهاهو سيدنا خالد بن الوليد يستخدم الحيلة و الدهاء الحربى حتى يستطيع ان يخلص المسلمين من أيدى الكافرين ويخرج بهم سالمين وكان من الممكن أن يطلب منهم الاندفاع الى المعركة طلباً للشهادة ، ولكنه رضى الله عنه يعلم أن هذا يعد انتحاراً وليس طلباً للشهادة