رسائل الحب .. ؟؟
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النبي الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
• غالية . . فتاة تَخَيَّلتها في ذاكرتي ، مُسلِمةٌ ، تحيط بها فتيات في حَيّها الذي تَقْطُنُه ، تمتلك مهارات إبداعية متنوعة . . صقلتها تجارب عديدة . . لديها هِمَّة تعانق السماء . . وتحمل قلباً متوهِّجاً بالضياء . . كالمطر أينَما وقع نفع . . وكالنحل لا يُنْتِجُ إلا عسلاً مصفى .
عَمَرَ الإيمان قلْبها ، فما بَرِحَتْ تَأنَسُ به في خلواتها . . وبِسَبب مَنْ حولها ، وبِمُشاركة منها ؛ بدأت جَذوة الإيمان تخبو ، والأفكار تتبَدَّل ، لتنزل " غالية " مِنْ عليائها ، وتَهبِط من كوكبها ، وصدق الله العظيم : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) ( الشورى:30 ) .
• غالية . . لا يزال جوهرها ثمينًا ، ومعدنها أصيلاً، وما علاها كان كالغبار الخفيف الذي لم يخف حُبّها للخير ، وهاهي ذي في حلقة من حلقات حياتها المليئة بالخير والسرور ، والسعادة والنــــور ، وفي بَريدهــــــــا الإيماني . . تَتَسَلَّم رســــالة " الحب " الأولى ، والتي عُنْونت ب " من القلب إلى القلب " .
(( من القلب إلى القلب ))
1
أخيتي غالية . .
لست أدري لم تواردت هذه الأفكار في صدري ، وأيضاً لست أدري لم كتبتها هنا ، ولكنني أجزم أنها مشاعر صادقة من قلب محب ، ليس فيها ما يعكر صفوها ، أو يكدر مسيرتها .
والذي لا إله إلا هو لم أكتب هذه المفردات لحادثة حدثت ، أو سلوكيات وقعت ، فلست ممن يظن بالناس إلا خيراً ، وخصوصاً من مسلمة مثلك ، بل كتبتها محبة لك ، وتقديراً لجهدك ، ورغبة في إسداء النصح لك ، وأملاً في أن أراك ـ كما هو أملي لنفسي ـ ممن كتب الله تعالى لهم أجر عملهم وزيادة ، ورفع منزلتهم في الفردوس الأعلى من الجنة مع والديهم ومن أحبهم .
2
أيتها المباركة . .
إننا نسير في طريق طويل ، موحش أحياناً ، وغامض أحياناً أخرى ، ولكنه في مُجْمَلِه يصفو كلما أَنِسَتْ نُفوسنا بقربنا من الله تعالى، وتعطرت بعبير هدايته ، واللجوء إليه بدعاء لَحُوح في أوقات السكون ، وبذل متواصل من العمل الصالح ، مهتدين بأوامرُه ، منتهين عن منهياته .
إننا لسنا ملائكة ( لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون ) ( التحريم: من الآية 6) ، فنفوسنا قد تشتهي ما لا ينبغي فعله أو مشاهدته أو سماعه أو اقتناؤه ، ولكن الأهم من ذلك هو أن نكون أوابين راجعين إلى كنف الرحمن الرحيم ، فنحن إن سِرْنَا في هذا الطريق قليلاً ، يجب أن نعود أكثر قوة وتصميماً وعزماً للرقي في منازل الأخيار ، رغبة في زيادة رصيدنا في الجنان ، وقرباً من رضا خالقنا الرحمن .
3
أيتها الغالية . .
ما أكثر المُفَرِّطَات ، وما أرخصَ أسعارهن ، وما أسهل الوصول إلى شِغَاف قلوبهن !!!
وهنا ألم تسألي نفسك لماذا أنت الغالية ؟
قد أصبحت الغالية ، وارتفعت مكانتك لدى المؤمنين ؛ لكون هذا القلب الذي بين جوانحك يهتف صباح مساء بأعظم حقيقة في الوجود " لا إله إلا الله ، محمد رسول الله " هذه الحقيقة التي غفل عنها بعض كبار المفكرين والعلماء من الغرب ، ليس هذا فحسب ، بل لقد بذلت جهوداً مباركة لنَشْرِ الخير ، والحث عليه ، وبذلتِ ما تملكين لاستمرار فاعليته .
وزدت على ذلك شرفًا أن لك قلباً ينبض بحب الخير للأخريات ، وأن لك فكراً يقدِّم الإسهامات العديدة في كل ميدان يكون لك فيه موضع قدم ، وابتسامة صادقة ، وطرفة لطيفة تدخل السرور على من حولك .
والآن هل أدركت سبب هذه المكانة التي تربعت على عرشها ؟ ؟ ؟
4
أيتها المؤمنة . .
يقول المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب و ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه و ما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها و إن سألني لأعطينه و إن استعاذني لأعيذنه و ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن يكره الموت و أنا أكره مساءته ( تحقيق الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 1782 في صحيح الجامع. )
يقول الأمين الحاج محمد أحمد في كتابه الطريق إلى ولاية الله : " ومن صفات أولياء الله : الاشتغال بالعلم الشرعي ، ومحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وإتقان الفرائض ، والإكثار من النوافل ، والدعوة إلى الله ، والزهد والتقلل من الدنيا ، والحب في الله والبغض في الله ، وحب السلف والاقتداء بهم والسير على طريقتهم وتحريم الغلو فيهم ، والاعتصام بالكتاب والسنة ، ومجانبة الشُّبَه وأهل البدع والأهواء والمعاصي ، والاشتغال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والاهتمام بأمر المسلمين والنصح لهم ، وموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين ، والتوكل والاعتماد على الله ، وحسن الخلق ؛ ومنه : طيب الكلام ، حسن المعاملة ، كظم الغيظ ، عدم الغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله ، الحياء ، لايعيب طعاماً ما قُدِّم له ، السخاء ، والتوبة ، والإنابة إلى الله ، وحفظ اللسان ، وعليه تجنب الآتي : الإكثار من الكلام والغلو فيه ، التحدث بكل ما يسمع ، الكذب ، قول الزور ، السب واللعن ، الغيبة ، النميمة " أ.هـ
فأين أنت أختي المؤمنة من ذلك كله !!؟ وكم صفة من صفات المؤمنين هذه اتصفتِ بها ، وتأملي قول الإمام ابن القيم رحمه الله : " مَنْ فاتَهُ رِفْقَة المؤمنين ، وخرج عن دائرة الإيمان . . فَاتَهُ حُسْنُ دِفاعِ الله عن المؤمنين ؛ فإن الله يدافِعُ عَنِ الذين آمنوا ، وفاتَه كُلُّ خَيْرٍ رتَّبه الله في كتابه على الإيمان ، وهو نحو مائة خَصْلَة ، كُلُّ خصلة منها خَيْرٌ من الدنيا وما فيها ، قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) ( الحج : 38 ) " .
5
معلمتنا الفاضلة . .
إن المجتمع من حولنا يموج بالفتن ، وأهل الشر ما فتئوا يتربصون بأهل الخدور الدوائر ، وإن الفتيات من حولنا ترنو أبصارهن إلى من تشعل القنديل ، وتنير الطريق ، وتحمل لواء القدوة الحسنة في كل شأن من شؤونهن . . في أفكارهن وأمانيهن ، في مأكلهن ومشربهن ، في لبسهن وتسريحاتهن ، في علاقاتهن وقراءاتهن ، وفي كل ميدان من ميادين حياتهن .
وقد جعل الله تعالى من حولك ثلاث فئات ، كل واحدة تأمل في التفاتة عاجلة منك ، أخواتك وأهل بيتك وأسرتك ، ثم زميلاتك ، ثم بقية فتيات المجتمع .
فهل يمكن أن يأتي اليوم الذي تأتين فيه يوم القيامة وخلفك آلاف مؤلفة من هؤلاء ، وكلهن قد رُصِدن في ميزان حسناتك ، ويشهدن أنك كنت أبرز علامة لهن على الطريق ؟
6
أختنا المجدّة . . وإذا كنا نبذل ما نبذله للأخريات ، فإنه يجب أن تكون لنا وقفة مع أنفسنا ؛ فيما بذلناه لأقرب أقربائنا ، وتاج رؤوسنا ، وبركة حياتنا . . والدينا الحبيبين . .
فهل أنتِ ممن بَرَّتْ بِوالديها ؟ - لا أشك في ذلك - ولكن المطلوب تواصل البر ، وإدخال السرور عليهما ، بتقبيل رأسيهما ، والدعاء لهما ، والتردد عليهما لقضاء حاجياتهما ، وتقديم الهدايا لهما ، وخدمتهما دون طلب منهما .
7
يا صاحبة القلب الكبير . .
إن التعامل مع الآخرين واقع لا محالة ، فالإنسان مدني بطبعه ، وليس لَكِ أن تُغلقِي عليكِ باب بيتِكْ ، وَتَصُمِّي أُذُنَيْكِ عن هُتافات مَنْ حولك ، ولكن :
لتكن لك شخصيتك المعتبرة ، ورأيك الخاص ، ولتكن معاملتك مع من حولك واضحة ، ولتبذلي جهدك لكي لا تُدْفَعِي للخروج بمظهر ذي الوجهين ، أو للكذب الذي لا مندوحة فيه .
أعلم - أُخَيَّتِي - أننا في حاجة لبعض المجاملات حتى لا نخسر بعض من حولنا الذين يصعب التعامل معهن ، أو لابد من الاحتكاك بهن ؛ ولكن : نحتاج أن نُمَرِّسَ أنفسنا على لقاءات الصراحة والوضوح ، ولنستعن بالله أن يلطف في النتائج .
ويلحق ذلك أهمية التخفيف من عبء العلاقات التي لا تتناسب مع مكانتك وتوجهاتك وما تطمحين أن تبلغيه ، ما أجمل أن تكوني القلب الكبير لمن حولك ، ولكن عليك الحذر من رواسب هذه العلاقات ؛ بعد غض الطرف عنها ، والعمل على علاجها ، وتهيئتها بما ترينه مناسباً ، وإلا فآخر الدواء الكي .
8
يا زارعة الخير . .
هذه النفس التي تتردد بين جوانحنا ، وتلك المهام التي تُوكلُ إلينا ، وأولئك اللاتي ينتظرن ما عندنا ؛ في حاجة ماسَّة لتغذية واضحة جلية ، ففاقد الشيء لا يعطيه . .
والنفس كالطفل إن تهمله شَبَّ على حبِ الرضاع وإن تفطمه ينفطم
لذا فمن الأهمية بمكان أن ترسمي لك برنامج عمل واضح لتربية وبناء وتطوير بعض مهاراتك وقدراتك ، ومن ذلك مثلاً :
الزاد الإيماني .
العلاقات الاجتماعية .
ملكة الإلقاء والتعبير والتخطيط .
التجديد ثم التجديد ثم التجديد مع الاحتفاظ بالثوابت .
9
يا ساعية الخير ، وقاصدة البر . .
يقول من بيده خزائن السماوات والأرض : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (الإسراء: من الآية36) هذه العيون التي امتن الله بها عليك ، وذلك السمع الذي وهبه الله لك ، وأيضاً الفؤاد الذي يخفق صباح مساء بصفاء سريرتك ، وجميل توحيدك لربك ، وعظيم توكلك عليه . . كل ذلك احفظيه من أن يعتدي عليه معتدٍ من شياطين الإنس أو الجن ، أو أعوانهما .
ودعي عنك العقليات المجردة ، فإن الله تعبدنا بسماع قوله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقول صحابته الكرام ، والتابعين الأماجد ، فما جاء منهم فهو الحق ، ومن عداهم فقوله يعتد به إذا استند إلى دليل ظاهر .
وقد ذكر لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حديثاً هو غاية ما يجب أن نستشعره في حياتنا ، ونجعله نصب أعيننا ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( الحلال بين و الحرام بين و بينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه و دينه و من وقع في الشبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا و إن لكل ملك حمى ألا و إن حمى الله تعالى في أرضه محارمه ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب ) ( انظر حديث رقم: 3193 في صحيح الجامع ) .
10
وبعد . .
إننا نخالط فئات متعددة ، ونتواصل مع شخصيات مختلفة ، منهم من لا يكون له وقع ولا حس ، ومنهم من يكون مروره مرور العابرين ، لا يفتأ أن انمحى أثره ، ومنهم من يصبح جزءاً منك ، يتملكك إحساسٌ بأنه بعضُك ، تأنسين لفرحه ، وتحزنين لحزنه ، وتحبين راحته ، وتسرين للتواصل معه على الخير ، ذلك الذي رضي أن يكون حيث أراد الله تعالى ، فاحرصي أن تكوني مع هذا ، فإنه نعم الرفيق ، ( الإخلاء بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) .
أدعو المولى القدير أن نكون من المباركين أينما نكون ، ويرفعنا في عليين في أعالي الجنان .
دعاء : اللهم حقق أمنياتها ، واشرح صدرها للخير ، وأسعدها في الدنيا والآخرة ، واجمعها مع من أحبها وأحبته فيك في الدنيا بسعادة لا معصية فيها ولا حَزَنْ ، وفي الآخرة في مقعد صدق عند مليك مقتدر . . آمين