[size=24][/sizاللاعب .... بعد الملاعب..!!!
من الممكن و الشائع في معظم المهن .. أن يتشبّث صاحب المهنة بمكانه أو منصبه أو كرسيه ، إلا في هذه المهنة .. فهي مهنة غير مخلصة لممارسها .. تتركه و تهرب من بين أقدامه ، حتى لو ادَّعى ممارسُها أنه هو الذي يتركها في توقيت يختاره هو نفسه ، و لكن الحقيقة و الواقع أنها مهنة تأبى أن تركن على قدمي لاعب أبداً ، فتترك أقدام أبدع محترفيها ، و أمهر صانعيها ، لتنتقل إلى أقدام الممارسين الجدد.
إذاً و بناءً على تلك المقدمة المفذلكة ، و تجديداً للموضوع القديم الجديد ، حول مستقبل اللاعب المهني ما بعد الاعتزال ، و لأنني أتحدث عن لاعبينا السوريين ، و أكثر تخصيصاً الكرماويين ، و لست أتحدث عن لاعبي أوروبا ، فإنَّ الحديث يجب أن يأخذ أبعاده الواقعية و المنطقية ، و لكن بنفس الوقت يجب أن يتحلى الطرح أيضاً بطموح جاد و مسؤول.
و قبل الإسهاب أكثر في الموضوع أودّ أن أوضُّح أن الهدف من وراء هذا الطرح ليس القيمة المالية فقط لدخل اللاعب ما بعد الاعتزال ، فربما يكون اللاعب المحترف قد جنى ثروة تكفيه لإدارة شؤون حياته ما بعد الاعتزال ، و لكن الطرح يتناول مسألة المهنة و العمل كقيمة إنسانية ، و ضرورة أن يشعر الإنسان بنفسه كعنصر منتج مهما كان غنياً أو فقيراً .
لا يخفى على أحد المستوى الثقافي و العلمي المتواضع و السائد بين صفوف لاعبينا بشكل عام ، مع احترامي الكامل لخلفياتهم الاجتماعية و العائلية ، و لكنها حقيقة لا نستطيع أن نخفيها خلف إصبعنا ، و قد تناولت هذه الفكرة تحديداً ( مستوى التحصيل العلمي و الثقافي للاعبين ) في موضوع سابق ، ربما يتذكره البعض و كان بعنوان (أولى الكلمات كانت...اقرأ...) و الذي أعتبره جزءاً أول و هذا الموضوع هو الجزء الثاني.
و إذا استثنينا الحالات النادرة و الشاذة لبعض اللاعبين الذين زاوجوا و واءموا بين تحصيلهم العلمي و تفوقهم في مهنتهم كلاعبين ( و طبعاً هنا نتحدث عن لاعبي كرة القدم تحديداً و ليس السلة) ، لوجدناهم نقاطا مبعثرة بين سواد أعظم من اللاعبين غير المؤهلين علمياً و عملياً لممارسة أي مهنة حقيقية بعد الاعتزال .
سأتحدث عن بعض الأفكار أو الحالات التي تجول بخاطر معظم القراء و هم يقرؤون هذه السطور الآن.
v الاحتمال الأول الذي نفكر به كقراء ، أن الوضع الممكن و الوارد للاعبين أن يتجهوا بعد الاعتزال إلى التدريب ، و هنا تحديداً لي نقطة اعتراض أتمنى من أصحاب الاختصاص تأكيدها أو رفضها أو مقاربتها ، حيث أني أرى أن مهنة التدريب ( و طبعاً أقصد المدرب الناجح ، و خلاف ذلك لا أعتبرها مهنة لأنها ستنتهي بالفشل ) هي من أندر المهن على الإطلاق ، لماذا ؟ لنتعامل مع لغة الأرقام قليلاً و لنضرب مثلاً واقعنا السوري في بلد تعداد سكانه أكثر من عشرين مليون نسمة ، يتراوح عدد لاعبي كرة القدم المحترفين و الهواة في جميع الدرجات و الفئات التصنيفية المعتمدة لدى الاتحاد الرياضي بين ( 1500-2000) لاعب – وهذا رقم تقديري من قبلي بدون مصدر رسمي أو سند وثائقي و أرجو التصحيح – و إذا سلمنا بهذا الرقم فإننا نستنتج أنه يشرف على هؤلاء اللاعبين الألفين بين مدرب و مساعد مدرب حوالي 150 – 200 مدرباً ، و إذا نظرنا بشكل منطقي و حيادي لاستنتجنا أن عدد الممتهنين و المحترفين لهذه المهنة لا يتجاوز 30-40 مدربا ، و لا أعتقد أن المتفوقين منهم و الذين تستطيع أن تشير لهم بالبنان على أنهم أصحاب مهنة ناجحون لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين إذا لم يكن اليد الواحدة ، أ ي أن نسبة ممارسي هذه المهنة - بنجاح و بضمان استمرارية - بالنسبة لعدد السكان هي 1 / 2000000 ، و ممكن أن تنخفض هذه النسبة إلى 1/4000000 إذا شددنا المعايير التي ننتهجها . تخيلوا ، أي أنه من بين كل مليوني أو ربما أربعة ملايين مواطن سوري ينتج لدينا مدرب ناجح واحد و هي نسبة شحيحة و معدل تعداد مهني نادر – مثلها كمثل المخرجين الناجحين – إذا فادعاء استمرار اللاعبين كمدربين ، هو ادعاء أقرب إلى البطلان.
v الاحتمال الثاني الذي يتبادر إلى ذهننا ، هو العمل الإداري ضمن الإطار الرياضي ، و هذا المجال أيضاً له متطلبات علمية و إدارية و مهنية لا تتوافر في معظم لاعبينا و أكبر مثال ما آلت و تؤول إليه أوضاع الأندية التي تقع تحت إدارة الرياضيين فقط ، مع احترامنا لتجربتهم و تاريخهم ، إلا أن العمل الإداري شيء آخر و موضوع آخر طالما نحن نتحدث عن بناء سيرة ذاتية في مهنة ثابتة ، و ليس حقل تجريب لأشخاص حفظوا الملاعب و دهاليز المباني الإدارية المتحكمة و المحيطة بهذه الملاعب و الأندية. و بناءً عليه فإن هذا الاتجاه محدود جداً من ناحية طاقة استيعابه لأعداد اللاعبين المعتزلين إذا أرادوا ممارسة مهنة مستقرة و ثابتة و ناجحة.
v الاحتمال الثالث الذي قد يتبادر إلى ذهننا و هو الأكثر انتشاراً على أرض الواقع ، أن يقوم اللاعب بعد الاعتزال باستثمار شائع و هو ( بقالية أو متجر لبيع الأدوات الرياضية) و هو الحل الأكثر ملاءمة للمستوى العلمي و العملي للاعبين بعد الاعتزال ، و لكنه ليس الأكثر طموحاً لبناء (Career) مهني بالنسبة للاعبين ، أو بالنسبة لنا نحن المتابعين و المحبين لهؤلاء المبدعين.
v هناك احتمال رابع قد يكون واقعاً ، و هو أن كثيراً من اللاعبين يمارس فعلياً مهنة أخرى بالتزامن مع ممارسته لكرة القدم كلاعب ، كأن يكون بائعاً أو سائقاً أو حرفياً ، و كلها مهن محترمة و مشرفة ، و لكن هذا الإسقاط كان يناسب المرحلة السابقة ، أي الجيل السابق ، أما هذا الجيل فقد بدأ يتعامل مع لعبة كرة القدم على أنها مهنة بحاجة لتفرغ و تركيز بدني و ذهني – و هذا حق المهنة عليهم كمحترفين – مما قلص كثيراً من أعداد اللاعبين أصحاب المهن حالياً .
v و للذين يفكرون باحتمال خامس ، و هو أن يكون اللاعب من أسرة ميسورة ، و سيستمر بعد الاعتزال بالعمل مع استثمارات العائلة أو التي أعدتها له العائلة ، و لهذه الفئة أقول ،( بتشغلوني عندكن ؟) ، طبعاً لسان حالنا يقول بالتوفيق و النجاح لهذه القلة القليلة .
إذاً و من خلال استعراضنا لاحتمالات الآفاق المهنية المستقبلية الواردة للاعبين ، أستطيع التخمين أن كل تلك الاحتمالات لن تستهلك أكثر من 25% من أعداد اللاعبين بعد الاعتزال ، ماذا عن البقية الباقية ، هل فكروا جدياً و جلياً ، هل أعدوا العدة للمرحلة القادمة.
أعرف تماماً أن النصائح و التنظير غالباً ما تكون سمجة و صعبة الذوبان مع قناعة المتلقي ، و لكن لا بأس من بعض الاقتراحات بيننا نحن العشاق علها تجعل صدى هذه القضية أكبر قليلاً ، و يتفاعل معها اللاعبون المعنيون عن طريق القراءة المباشرة هنا ، أو عن طريق أمواج الصدى المنبعثة من هذا المنبر لزملائهم و أقرانهم من اللاعبين.
وجهة نظري : أو رأيي الشخصي : أتمنى أن يبدأ اللاعبون بالعمل على أنفسهم من الناحية الثقافية و العلمية ، و ضمن إطار اهتماماتهم و اختصاصهم ، ألا و هو الرياضة ، أو أي اختصاص آخر يهتمون به ، أنا لا أطالبهم بالحصول على درجات علمية جامعية أو مدرسية ( و إن حصل فذلك أفضل و أقوم) ، أنا أرجوهم أن يقرؤوا و يبحثوا و يسألوا عن المراجع و المصادر التي قد تفيدهم ، و إذا بدؤوا رحلة البحث هذه سيجدون حتماً من يساندهم و يساعدهم ، أنا أرجو من اللاعبين اكتساب ثقافة ترويج الذات لدى الآخر ، ليؤسسوا لأنفسهم كجيل من المحللين و المعلقين و المقدمين و المتحدثين الرسميين بالشؤون الفنية و الرياضية ، من الواضح أن الفضاء المفتوح أمام المحطات المرئية و الإذاعية الاختصاصية و غير الاختصاصية يشكل مناخاً خصباً لهذه الأفكار ، بالإضافة إلى مراكز الدراسات و ما تحتاجه من عنصر بشري خبير أو مؤهل.
لا بل و نستطيع أن نكون أكثر تفاؤلاً و طموحاً إذا تخيلنا مستقبلاً أن مجموعة من قدامى اللاعبين و الإعلاميين قد أسسوا لمركز دراسات استراتيجي رياضي ، يجمع المعلومات و الأرقام و الأبحاث و يوثقها و يحللها و يصدر الدراسات و التحليلات .
لماذا لا نرى جيلاً من الباحثين و المؤلفين لمؤلفات رياضية منقرضة من مكتباتنا العربية ، (مثال بسيط : ابني - ذي الأعوام الثمانية – يحضر معه أسبوعياً كتاباً يختاره هو من مكتبة المدرسة ،- و هذا جزء من المنهاج التربوي بالمدرسة و ليس المنهاج التعليمي- ، المهم آخر ثلاثة كتب أحضرها من مكتبة المدرسة هي كتب تعليمية عن أساسيات كرة القدم و قوانين اللعبة و اللباس و التجهيزات و الجمل التكتيكية ، و تحليل هذه الجمل إلى مقاطع حركية ، إلخ... و هذه الكتب موجهة للأطفال و طبعاً باللغة الإنكليزية ، مؤلفو هذه الكتب هم لاعبون سابقون ( غاري لينيكر أحدهم) و تستطيع استنتاج أن هذه الكتب تحقق معدلات بيع عالية من مقارنة رقم الطبعة في بداية الكتاب مع عام الإصدار الأول )
هل تستطيعون أن تذكروا لي اسماً واحداً من قدامى لاعبينا قام بتأليف شيء مشابه و قام بنشره ؟
الموضوع لا يحتاج لتعقيد و رعب من الفكرة ، إنه بحاجة لخلفية لغوية متوسطة تستطيع معها أن تعبر عن مخزون خبرتك ، بالإضافة لما كسبته من قراءاتك المفترضة و بحثك المنشود ،
لماذا لا نرى جيلاً من الكشافين الرياضيين ؟ نعم الكشاف مهنة بحاجة لكثير من تراكم الخبرة و الإحساس المدرَّب ، بالإضافة إلى مهارات لغوية بسيطة تمكن الكشاف من التواصل مع لاعبين من جنسيات و لغات مختلفة.
لماذا لا نطمح للتأسيس لمهنة جديدة ، و ربما قديمة ونحن لا نعرفها ، و هي الاستشاري الرياضي ، نعم لماذا لا يكون لدينا مراكز استشارية تقدم خدماتها للأندية و للجهات الرسمية داخل و خارج حدود الوطن ، يكون نواتها خليط من الإعلاميين الرياضيين واللاعبين المعتزلين الأكفاء و المؤهلين و الأكاديميين الرياضيين .
ما أقصده في النهاية أن هناك أفقاً واسعاً من المهن التي تعتمد على خلفية اللاعب الرياضية ، و لكنها بحاجة لصقل و تحضير علمي و لغوي و ثقافي و شخصي ، و جرأة و تحدي للواقع و الصورة النمطية لدينا للاعبي كرة القدم ، و تحرير هذه الصورة من إطار نقص الوعي و التواضع المعرفي ، و لنا في بعض الحالات المضيئة أسوة حسنة و دليل على أن من جد وجد ، خارج الملاعب أيضاً حتى لو كان في يوم من الأيام لاعب.
e]