كانت البشرية قبل الإسلام في ظلم وجهل غائرين، ومع وجود حضارتين قويتين امتدت سيطرتهما من أقصى الأرض لأقصاها، فإن النواحي الأخلاقية والدينية كانت من السذاجة والضّعة بمكان سحيق، وأصبحت الديانات العظمى فريسة العابثين والمتلاعبين، ولعبة المحرفين والمنافقين، حتى فقدت روحها وشكلها؛ فالمسيحية لم تكن في يوم من الأيام من التفصيل والوضوح ومعالجة مسائل الإنسان بحيث تقوم عليها حضارة، واليهودية قد حرَّفها اليهود وجعلوا مسائلها وأسرارها حكرًا على أحبارهم؛ ليسُنُّوا لهم ما شاءوا، وليرفعوا عنهم ما أرادوا.
وقد كان واقع الدولة الرومية الديني - مع المكانة السياسية التي حظيت بها - ممزقًا؛ تحولت المدارس والكنائس والبيوت معسكرات دينية متنافسة أقحمت البلاد في حرب أهلية طاحنة. والفرس رغم مشاطرتها للدولة الرومية العالمَ المتمدن في ذلك الوقت إلا أن الانحلال الأخلاقي كان منتشرًا، فكما يذكر العديد من المؤرخين للعهود الفارسية الساسانية أن زواج المحارم كان منتشرًا في هذه الحقبة التاريخية، وأن مذهب ماني (الشيوعية) بدأ في الانتشار في هذه الفترة الساسانية البعيدة، وهو ما جعل البطالة تفشو في أرجاء المجتمع الإيراني القديم، فلا داعي للعمل ما دام الناس مشتركين في كل شيء، في المال والأهل والولد. والأمم الأوروبية المتوغلة في الشمال والغرب كانت تتسكع في ظلام الجهل المطبق، والأمية الفاشية، والحروب الدامية، والهمجية، وسمّيت هذه العصور بالعصور المظلمة. وطبيعة العلاقة بين اليهود والنصارى كانت بين الشدّ والجذب، إلا أنه لما تغلب الفرس على الروم أظهر اليهود الشماتة والنيل من الروم، بل ساعدوا الفرس في تخريب كنائسهم، وقتل شيوخهم وأطفالهم ونسائهم. والحبشة كانت ساذجة من النواحي الحضارية، ومع ذلك كانت تابعة للكنيسة السكندرية في مصر. ومصر كانت تحت سيطرة البطالسة، ثم انتقلت هذه السيطرة للرومان إثر هزيمة كليوبترا المشهورة، فقد كانت ذات معبودات كثيرة، وأصنام لا حصر لها. وأمريكا الشمالية كانت مقرًّا للهنود الحمر، والتي تبرز رسوماتهم الباقية في كهوفهم سذاجة اعتقادية ملحوظة.
أما العالم اليوم - رغم تقدمه التكنولوجي - فإنه يعاني مما كان يعاني منه أجداده القدماء من تخبط في ظلمات الجهل والرذيلة، وانحراف في فهم الدين والعقيدة، وأن الإحصاءات التي تصدر كل عام عن البلدان العالمية لتبين مدى الانحطاط السافر الذي وصلت إليه البشرية، بل العالم العربي والإسلامي له موطئ قدم في الانحراف العالمي؛ من انتشار الزنا والزواج العرفي، وتغيّر مفهوم القيمة، والإعلانات الباهرة التي تخطف الشباب لمستنقع من الرذيلة الفجة.
مزيد من التفاصيل
مقدمة
أولاً: الوضع في ممالك العالم المختلفة
ثانيًا: حالة العرب في الجزيرة العربية قبل البعثة
الوضع في بلاد العالم الآن